سورة الحديد - تفسير تفسير البيضاوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحديد)


        


{اعلموا أَنَّمَا الحياة الدنيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِى الأموال والأولاد} لما ذكر حال الفريقين في الآخرة حقر أمور الدنيا أعني ما لا يتوصل به إلى الفوز الآجل، بأن بين أنها أمور خيالية قليلة النفع سريعة الزوال لأنها لعب يتعب الناس فيه أنفسهم جداً إتعاب الصبيان في الملاعب من غير فائدة، ولهو يلهون به أنفسهم عما يهمهم وزينة كالملابس الحسنة والمواكب البهية والمنازل الرفيعة، وتفاخر بالأنساب أو تكاثر بالعدد والعدد، ثم قرر ذلك بقوله: {كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الكفار نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً} وهو تمثيل لها في سرعة تقضيها وقلة جدواها يحال نبات أنبته الغيث فاستوى وأعجب به الحراث، أو الكافرون بالله لأنهم أشداء إعجاباً بزينة الدنيا ولأن المؤمن إذا رأى معجباً انتقل فكره إلى قدرة صانعه فأعجب بها، والكافر لا يتخطى فكره عما أحس به فيستغرق فيه إعجاباً، ثم هاج أي يبس بعاهة فاصفر ثم صار حطاماً، ثم عظم أمور الآخرة الأبدية بقوله: {وَفِى الآخرة عَذَابٌ شَدِيدٌ} تنفيراً عن الانهماك في الدنيا وحثاً على ما يوجب كرامة العقبى، ثم أكد ذلك بقوله: {وَمَغْفِرَةٌ مّنَ الله ورضوان} أي لمن أقبل عليها ولم يطلب إلا الآخرة. {وَما الحياة الدنيا إِلاَّ متاع الغرور} أي لمن أقبل عليها ولم يطلب بها الآخرة.
{سَابِقُواْ} سارعوا مسارعة المسابقين في المضمار. {إلى مَغْفِرَةٍ مّن رَّبّكُمْ} إلى موجباتها. {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السماء والأرض} أي عرضها كعرضهما وإن كان العرض كذلك فما ظنك بالطول، وقيل المراد به البسطة كقوله: {فَذُو دُعَاء عَرِيضٍ} {أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِالله وَرُسُلِهِ} فيه دليل على أن الجنة مخلوقة وأن الإِيمان وحده كاف في استحقاقها. {ذلك فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء} ذلك الموعود يتفضل به على من يشاء من غير إيجاب. {والله ذُو الفضل العظيم} منه التفضل بذلك وإن عظم قدره.
{مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِى الأرض} كجدب وعاهة. {وَلاَ فِى أَنفُسِكُمْ} كمرض وآفة. {إِلاَّ فِى كتاب} إلا مكتوبة في اللوح مثبتة في علم الله تعالى. {مّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا} نخلقها والضمير لل {مُّصِيبَةٍ} أو {الأرض} أو للأنفس. {إِنَّ ذلك} أي إثباته في كتاب. {عَلَى الله يَسِيرٌ} لاستغنائه تعالى فيه عن العدة والمدة. {لّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ} أي أثبت وكتب كي لا تحزنوا {على مَا فَاتَكُمْ} من نعم الدنيا {وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَا ءاتاكم} بما أعطاكم الله منها فإن من علم أن الكل مقدر هان عليه الأمر، وقرأ أبو عمرو {بِمَا ءاتاكم} من الإِتيان ليعادل ما فاتكم، وعلى الأول فيه إشعار بأن فواتها يلحقها إذ خليت وطباعها، وأما حصولها وإبقاؤها فلا بد لهما من سبب يوجدها ويبقيها، والمراد نفي الآسي المانع عن التسليم لأمر الله والفرح الموجب للبطر والاحتيال، ولذلك عقبه بقوله: {والله لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} إذ قل من يثبت نفسه في حالي الضراء والسراء.
{الذين يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ الناس بالبخل} بدل من كل مختال فإن المختال بالمال يضن به غالباً أو مبتدأ خبره محذوف مدلول عليه بقوله: {وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ الله هُوَ الغنى الحميد} لأن معناه ومن يعرض عن الإنفاق فإن الله غني عنه وعن إنفاقه محمود في ذاته لا يضره الإِعراض عن شكره ولا ينفعه التقرب إليه بشكر من نعمه، وفيه تهديد وإشعار بأن الأمر بالإِنفاق لمصلحة المنفق وقرأ نافع وابن عامر {فَإِنَّ الله الغنى}.
{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا} أي الملائكة إلى الأنبياء أو الأنبياء إلى الأمم. {بالبينات} بالحجج والمعجزات. {وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكتاب} ليبين الحق ويميز صواب العمل. {والميزان} لتسوى به الحقوق ويقام به العدل كما قال تعالى: {لِيَقُومَ الناس بالقسط} وإنزاله إنزال أسبابه والأمر باعداده، وقيل أنزل الميزان إلى نوح عليه السلام، ويجوز أن يراد به العدل. {لِيَقُومَ الناس بالقسط} لتقام به السياسة وتدفع به الأعداء كما قال: {وَأَنزْلْنَا الحديد فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} فإن آلات الحروب متخذة منه. {ومنافع لِلنَّاسِ} إذ ما من صنعة إلا والحديد آلاتها. {وَلِيَعْلَمَ الله مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ} باستعمال الأسلحة في مجاهدة الكفار والعطف على محذوف دل عليه ما قبله فإنه حال يتضمن تعليلاً، أو اللام صلة لمحذوف أي أنزله ليعلم الله. {بالغيب} حال من المستكن في ينصره. {إِنَّ الله قَوِىٌّ}، على إهلاك من أراد إهلاكه. {عَزِيزٌ} لا يفتقر إلى نصرة وإنما أمرهم بالجهاد لينتفعوا به ويستوجبوا ثواب الامتثال فيه.


{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وإبراهيم وَجَعَلْنَا فِى ذُرّيَّتِهِمَا النبوة والكتاب} بأن استنبأناهم وأوحينا إليهم الكتب. وقيل المراد بالكتب الخط. {فَمِنْهُمْ} فمن الذرية أو من المرسل إليهم وقد دل عليهم {أَرْسَلْنَا}. {مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مّنْهُمْ فاسقون} خارجون عن الطريق المستقيم والعدول عن السنن القابلة للمبالغة في الذم والدلالة على أن الغلبة للضلال.
{ثُمَّ قَفَّيْنَا على ءاثارهم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابن مَرْيَمَ} أي أرسلنا رسولاً بعد رسول حتى انتهى إلى عيسى عليه السلام، والضمير لنوح وإبراهيم ومن أرسلا إليهم، أو من عاصرهما من الرسل لا للذرية، فإن الرسل الملقى بهم من الذرية. {وَآتيْنَاهُ الإِنْجِيلَ} وقرئ بفتح الهمزة وأمره أهون من أمر البرطيل لأنه أعجمي. {وَجَعَلْنَا فِى قُلُوبِ الذين اتبعوه رَأْفَةً} وقرئ: {رآفة} على فعالة. {وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابتدعوها} أي وابتدعوا رهبانية ابتدعوها، أو رهبانية مبتدعة على أنها من المجعولات وهي المبالغة في العبادة والرياضة والانقطاع عن الناس، منسوبة إلى الرهبان وهو المبالغ في الخوف من رهب كالخشيان من خشي، وقرئت بالضم كأنها منسوبة إلى الرهبان وهو جمع راهب كراكب وركبان. {مَا كتبناها عَلَيْهِمْ} ما فرضناها عليهم. {إِلاَّ ابتغاء رضوان الله} استثناء منقطع أي ولكنهم ابتدعوها {ابتغاء رضوان الله}. وقيل متصل فإن {مَا كتبناها عَلَيْهِمْ} بمعنى ما تعبدناهم بها وهو كما ينفي الإِيجاب المقصود منه دفع العقاب ينفي الندب المقصود منه مجرد حصول مرضاة الله، وهو يخالف قوله: {ابتدعوها} إلا أن يقال: {ابتدعوها} ثم ندبوا إليها، أو {ابتدعوها} بمعنى استحدثوها وأتوا بها، أو لأنهم اخترعوها من تلقاء أنفسهم. {فَمَا رَعَوْهَا} أي فما رعوها جميعاً. {حَقَّ رِعَايَتِهَا} بضم التثليث والقول بالاتحاد وقصد السمعة والكفر بمحمد عليه الصلاة والسلام ونحوها إليها. {فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا} أتوا بالإِيمان الصحيح ومن ذلك الإِيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وحافظوا حقوقها. {مِنْهُمْ} من المتسمين باتباعه. {أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مّنْهُمْ فاسقون} خارجون عن حال الاتباع.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} بالرسل المتقدمة. {اتقوا الله} فيما نهاكم عنه. {وَآمِنُوا بِرَسُولِه} محمد عليه الصلاة والسلام. {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ} نصيبين. {مّن رَّحْمَتِهِ} لإيمانكم بمحمد صلى الله عليه وسلم إيمانكم بمن قبله، ولا يبعد أن يثابوا على دينهم السابق وإن كان منسوخاً ببركة الإِسلام، وقيل الخطاب للنصارى الذين كانوا في عصره صلى الله عليه وسلم. {وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ} يريد المذكور في قوله: {يسعى نُورُهُم} أو الهدى الذي يسلك به إلى جناب القدس. {وَيَغْفِرْ لَكُمْ والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
{لّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الكتاب} أي ليعلموا و{لا} مزيدة ويؤيده أنه قرئ: {ليعلم} و{لكي يعلم} و{لأن يعلم} بادغام النون في الياء.
{أَلاَّ يَقْدِرُونَ على شَئ مّن فَضْلِ الله} أن هي المخففة والمعنى: أنه لا ينالون شيئاً مما ذكر من فضله ولا يتمكنون من نيله لأنهم لم يؤمنوا برسوله وهو مشروط بالإِيمان به، أو لا يقدرون على شيء من فضله فضلاً عن أن يتصرفوا في أعظمه وهو النبوة فيخصوها بمن أرادوا ويؤيده قوله: {وَأَنَّ الفضل بِيَدِ الله يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء والله ذُو الفضل العظيم} وقيل: {لا} غير مزيدة، والمعنى لئلا يعتقد أهل الكتاب أنه لا يقدر النبي والمؤمنون به على شيء من فضل الله ولا ينالونه، فيكون {وَأَنَّ الفضل} عطفاً على {لّئَلاَّ يَعْلَمَ}، وقرئ: {ليلا يعلم} ووجهه أن الهمزة حذفت وأدغمت النون في اللام ثم أبدلت ياء. وقرئ: {ليلا} على أن الأصل في الحروف المفردة الفتح.
عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الحديد كتب من الذين آمنوا بالله ورسله أجمعين».

1 | 2